بسم الله الرحمن الرحيم
الأرض والدماء ..حكاية كل زمان
على أصوات أمواج البحر وهي تتكسر على البروز الصخري الذي أعلوه
أغمضت عيني في إنهاك..
أشعة الشمس الدافئة تتسرب إلى داخل جسمي في نعومة وانسيابية كأنها تجري
مجرى الزمن، لتتحول إلى طاقة رصدها دماغي في لحظات فترجمها لطاقة
حرارية مخدرة جعلت إحساسي بالوجود يتوقف لبرهة، وكأني انتقلت
فجأة إلى العدم، قبل أن أشعر وكأن البروز الصخري من تحتي يهتز ويبدأ
بالدوران ويدخل معه دماغي في دوامة لا تنتهي..
ضاق صدري وبدا لي لحظة أني أختنق، واختنق،وأختنق..
ثم فجأة سمعت صوت فرقعة قوية
ودون سابق إنذار وجدت جسدي يهوي في نفق رهيب مظلم، وشريط حياتي
يعود بي للوراء في سرعة فائقة قبل أن يصك مسامعي صرخات
رهيبة وكأنها آتية من أعماق الجحيم..
كانت صرخات وآهات تحمل عذابات الدنيا كلها وهي تمتزج بأصوات القذائف
والقنابل وكأن الزمن عاد بي لزمن الحروب العالمية، ومع انقشاع نور ضئيل
بدأت حدة الصوت المصاحبة للصرخات تخفت وتخفت وتخفت..
ومع استمرار جسدي في السقوط بدأت أسمع أصوات أخرى مغايرة كأصوات
صليل السيوف ووقع حوافر الجياد، لكن دون أن تخمد تلك الصرخات للحظة واحدة..
ثم فجأة سطع نور قوي
وتبدلت الأصوات
واختفت الصرخات تماما
وللحظة وعيت لما حولي فوجدت جسدي وكأنه يغوص في نفق لولبي زجاجي
براق وكان المنظر الذي مر أمام عيني في رمشة عين منظرا جللا، ومهيبا..
شريط من نور لم يسبق لي أن رأيت له مثيلا يخرج من سقف بيت مربع مكسو
بأقمشة خضراء
ويصعد نحو السماء في خط مستقيم بدون نهاية ودون أن ينقطع عن أصله..
ومع ذلك المشهد المهيب كانت تتعالى أصوات التهليل والتوحيد
بلسان واحد وقلب واحد
لإله إلا الله
وددت لو توقف بي الزمان عند ذلك المكان لكن جسدي استمر في السقوط
وعادت نفس الصرخات ونفس الأصوات التي كانت قبلا
لكن هذه المرة بعنف
وبوحشية..
ثم وجدت نفسي وكأني أغرق، أو كأن طوفانا يضرب نفقي في قوة
ثم خيل لي وكأن البحر الممتد أمامي ينفلق لفرقين، كل فرق كالطود العظيم
فمررت بينهما بسلام والمياه ورائي تبتلع الصرخات في مشهد مخيف
و...
وتوقف بي الزمان عند غابة بدائية جميلة..
وهناك في الوسط
تحت ظل شجرة مورقة كانت تقف فتاة
فتاة جميلة لم يسبق لي أن رأيت مثلها في حياتي كلها
كانت تستر نصف جسدها بجلد النمر
وتقف في مواجهة شاب قوي البنية وهو يحمل خنجرا مصبغا بدماء حمراء صافية..
كان منكسرا
نادما
ومتحسرا
وبالجوار شاب آخر ملقى على الأرض..
منكمشا على جسده والدماء تسيل من جانب صدره الأيسر وتتساقط على الأرض
في رقعة واسعة..
و...
وفجأة اهتزت الأرض من تحتي للمرة الثانية وسمعت صوت عظام وهي تتكسر
قبل أن أفيق فجأة وأعي لحالي لأجد جرحا غائرا بأعلى كتفي الأيسر والدماء تسيل منه
في غزارة، فتناسيت الألم الرهيب وحملت مدفعي الرشاش بيدي اليمنى
وأنا أتطلع إلى تلك الطائرة الحربية التي تحمل شعارا واضحا بنجمته السداسية، وصاحبها
ينقلب بها دورة هوائية متباهيا، ويعيد تصويب مدفعها الرشاش نحوي وابتسامة متشفية
مقيتة ترتسم على شفتيه ..
وبعزيمة وإصرار النمر وقفت في مواجهته لأعيد فصلا آخر من فصول الزمن
بعد أن تأكد لي أن لا مفر من استمرار إهراق الدماء
فيظهر أن هذه الدنيا اعتادت أن ترتوي من الدماء الطاهرة
وأن السبيل الوحيد لجعلها تتوقف عن ذلك أن أرويها من دماء مغايرة
دماء خبيثة..
انتهت بحمد الله
من تأليفي